سورة المائدة - تفسير تيسير التفسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المائدة)


        


هنا يعود الشارع لعرض نماذج من شريعة التوراة: وقد بقيت هذه الأحكام في شريعة الاسلام. والقاعدة عندنا ان شَرْعَ من قبلنا من الأديان السماوية شرعٌ لنا ما لم يرد نسخُه في القرآن. مثال ذلك: {فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ}.
فالأصلُ القصاصُ: النفسُ بالنفس إلخ.... ثم جاء التسامح الاسلامي بأنَّ من تصدَّق بما ثَبَتَ له من حق القصاص، وعفا عن الجاني، كان عفُوه كفّارةً له، ويكفّر الله بها ذنوبه. وقد تميز الإسلام بتسامحه، وورد ذلك في كثير من الآيات والاحاديث وسِير الصحابة الكرام.
ويقول النبي عليه الصلاة السلام: «أيعجِز أحدكُم أ، يكون كأبي ضمضم؟ كان إذا خرج من بيته تصدَّق بعرضه على الناس» (أي آلى ان يسامح من قد يشتمونه). وأبو ضمضم هذا مّمن كان قبلَنا من الأمم السابقة، كما جاء في رواية أبي داود.
وروي الإمام احمد، قال: كسرَ رجُل من قريش سنَّ رجل من الأنصار، فاستعدى عليه معاوية، فقال: معاوية: استَرضِه. فألحَ الأنصاري، فقال معاوية: شأنك بصاحبكز كان أبو الدرداء جالساً فقال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما مِن مسلم يصابُ بشيء من جسدِه فيتصدَّق به إلا رفعه اللهُ به درجة، أو حطَّ به عنه خطيئة» فقال الأنصاري: فإني قد عفوت.
هكذا يعلّمنا الله ورسوله ان نكون متسامحين في أمورنا جميعها، وان نطلب العوض من الله. وبعد هذا العرض يعقّب بالحكم الصارم بقوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أنزَلَ الله فأولئك هُمُ الظالمون}.
ان كل من كان بصدد الحكم في شيء من هذه الجنايات، فأعرضَ عما أنزل اللهُ من القصاص المبنيّ على قاعدة العدل والمساواة بين الناس، وحكم بهواه فلْيعتبر نفسَه من الظالمين. وجزاء هؤلاء معروف.
في الآية التي قبلها كان الوصف هو {الكافرون} وهنا {الظالمون}، لكن هذا لا يعني ان الحالة الثانية غير التي سبق الوصف فيها بالكفر، وانما يعني الاضافة. فمن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون الظالمون.
قراءات:
قرأ نافع: {والأذْن بالأذْن}، باسكان الذال حيث وقع. وقرأ الكسائي وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر: {والجروحُ}، بضم الحاء.


قفّينا: أتبعنا، قفّى فلاناً وبه أتبعه اياه. الفاسق: الخارج عن حظيرة الدين. وبعثنا عيسى بن مريم بعد أولئك النبيّين الذين كانوا يحكمون بالتوراة متّبعاً أَثَرهم جارياً على سُننهم، مصدّقاً للتوراة التي تَقَدَّمتْه بقوله وعمله. فشريعة عيسى عليه السلام هي التوراة التي لم تحرَّف. وقد ورد في الأناجيل انه قال: (ما جئت لأنقُض الناموس، وإنما جئت لأتمِّم)، يعني لأزيد عليها ما شاء الله من الأحكام والمواعظ.
وقد اعطيناه الإنجيل، مشتملاً على الهدى، ومنقذا من الضلال في العقائد والأعمال: كالتوحيد، والتنزيه النافي للوثنية. وقد جعل الله في الانجيل هدى ونوراً وموعظة للمتقين كما جعله منهج حياة وشريعةَ حكمٍ لأهل الانجيل، وليس رسالة عامّة للبشر، شأنه في هذا شأنَ التوراة، لا شأن القرآن الكريم.
{وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإنجيل بِمَآ أَنزَلَ الله فِيهِ}
وهذا أمر قاطع لازم يجب تنفيذه وإطاعته، يعني: وأمرناهم بالعمل بالإنجيل، واتّباعه وعدم تحريفه. وقد جاء في الإنجيل الصحيح بشارةٌ بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في مواضع كثيرة، وكلن ذلك أُخفيَ وحُرّف. كان عند النصارى عدد كبير من الأناجيل يربو على الخمسين، لكنهم في مجمع نيقية (سنة 325 ميلادية) اعتمدوا هذه الأربعة المتداولة الآن وحرقوا ما عداها. وقد وُجد إنجيل منسوبٌ إلى برنابا، تلميذِ المسيح، وتُرجم وطُبع عدة مرات، وفيه البشارة واضحةٌ بالنبيّ في عدة أماكن. وهو قريب جداً من القرآن وتعاليمِه، لكن النصارى لا يعترفون به ويقولون إنه مزّيف.
{وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ الله فأولئك هُمُ الفاسقون}
إن كل من يتقيد بالأحكام بشرائع الله لهو من الخارجين عن حكم الله، المتمردين عليه. والنص هنا عام. وصفة الفسق تضاف إلى صفتي الكفر والظلم من قبل. فالكفر برفض ألوهية الله ممثِّلاً ذلك في رفض شريعته، والظلم بحمل الناس على غير شريعة اللة، والفسق بالخروج عن منهج حكم الله واتباع طريق غير طريقه.
فالله سبحانه وتعالى يعرض هذه المسألة بأنها إيمان أو كفر، لا وسَط في هذا الامر، فالمؤمنون هم الذين يحكمون بما أنزل الله، والكافرون الظالمون الفاسقون هم الذين لا يحكمون بما أنزل الله. فإما أن يكون الحكّام قائمين على شريعة الله كاملة فهم من أهل الايمان، واما ان يكونوا قائمين على شريعة أخرى فهم من أهل الكفر والظلم والفسق. وكذلك الديانات.
قراءات:
قرأ حمزة: {وليحكم}، بكسر اللام ونصب الميم، والباقون بجزم الميم كما هو هنا في قراءة المصحف.


المهيمن على الشيء: القائم على شئونه وله حق مراقبته وتولي رعايته. الشرعة والشريعة: مورد الماء، وكل ما شرعت فيه من شيء فهو شريعة. المنهاج: السبيل والسنّة. الابتلاء: الاختبار. استبِقوا: ابتدروا وسارعوا.
بعد أن بين الله تعالى أنه انزل التوراة ثم الإنجيل، وذكر ما أودعه فيهما من فروض وواجبات وأحكام ألزم بها بني اسرائيل جاء البيان هنا إلى الرسالة الاخيرة، الرسالة التي تعرض الإسلامَ في صورته النهائية، ليكون دين البشرية كلّها حتى يرث الارَ ومن عليها.
وأنزلنا اليك ايها النبي الكتاب الكامل، وهو القرآن، الذي أكملنا به دين الله. وقد جاءك مصدّقاً لما تقدَّمه من الكتب السماوية، وشاهداً لها بالصحة ورقيباً عليها، لأننا سنحفظه من التغيير. لذا احكُم بين أهل الكتاب، إذا تحاكموا اليك، بما في هذا القرآن. لا تتّبع أيها الرسول في حكمك شهواتهم ولا تخضع لأهوائهم ورغباتهم. فبسببٍ من ذلك حرّفوا كثيرا من كتبهم.
روي أن اليهود عرضوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يؤمنوا برسالته إذا تصالح معهم على التسامح في احكام معينة، منها حكم الرجم وغير ذلك، فنزل هذا التحذير.
{لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ...}
لكل أُمة منكم أيها الناس جعل الله منهاجاً لبيان الحق، وطريقاً واضحا في الدين تسيرون عليه، ولو شاء لجعلكم جماعة واحدة متفقة، لا تختلف مناهج حياتها وإرشادها في جميع العصور. لقد جعلكم شرائع ليختبركم فيما أتاكم، فيتبين المطيعَ والعاصي. انتهزوا الفرص أيها الناس، وسارِعوا إلى عمل الخيرات، فإنكم إلى الله ترجعون. يومئذ ينبئكم بحقيقة ما كنتم تختلفون فيه من أمور الدين، ويجازي كلاً منكم بعمله.

7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14